موقف إيرلندا من الصحراء المغربية .. دبلوماسية خطابية وتحولات جيوسياسية
في جواب لها عن سؤال برلماني تقدم به النائب بمجلس النواب الإيرلندي عن حزب “شين فين” ماث كارتي، عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، حول قضية الصحراء، أكدت وزارة الخارجية الإيرلندية أن “موقف دبلن من قضية الصحراء هو الدعم الكامل للعملية التي تقودها الأمم المتحدة، بما في ذلك بعثة المينورسو، ودعمها جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء لتحقيق حل سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد”، معربة عن “أملها في أن تساعد هذه الجهود على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يكفل لشعب الصحراء تقرير مصيره”، وفق التعبير الوارد في الجواب.
وأشارت الخارجية ذاتها، في الجواب الذي حمل توقيع مايكل مارتن، وزير الخارجية في هذا البلد الأوروبي، إلى القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الذي تم بموجبه التمديد لولاية بعثة المينورسو في الصحراء لمدة عام واحد، داعية “جميع أطراف النزاع والمجتمع الدولي إلى دعم الجهود التي يقوم بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء”، ومرحبة في الوقت ذاته بـ”الزيارات والمشاورات التي قام بها في المنطقة”.
في سياق مماثل عبر وزير الخارجية الإيرلندي، في الجواب الذي اطلعت عليه جريدة هسبريس عبر الموقع الإلكتروني الرسمي لبرلمان هذا البلد، عن تأييد إيرلندا ودعمها الدعوات المتضمنة في القرار الأخير لمجلس الأمن الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2023، التي دعت جميع الأطراف إلى “التعاون الكامل مع بعثة المينورسو في الاضطلاع بولايتها”، مؤكدا أن بلاده على اتصال مستمر مع جميع الأطراف ذات الصلة والمعنية، دعما للجهود الرامية إلى التوصل إلى حل لهذا النزاع.
دبلوماسية خطابية
قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، إن “دعوة إيرلندا إلى دعم جهود المبعوث الأممي وتأييدها قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص ملف الصحراء يعكس الانخراط الإيجابي لدبلن تجاه هذا النزاع الإقليمي، ويؤكد مرة أخرى سعي حكومتها إلى احترام الديناميكية الدولية وتوجهات المنتظم الدولي بخصوص الصحراء”.
في المقابل سجل المصرح لهسبريس أن “رد الخارجية الإيرلندية فيه الكثير من الدبلوماسية الخطابية رغم احترامه الإطار الأممي للملف”، مؤكدا أن “دبلن مطالبة بالمزيد من الجرأة السياسية في هذا الملف، والكثير من الانخراط الإيجابي، لمسايرة ديناميكية المنتظم الدولي، من أجل المساهمة الفعالة والميدانية للدفع بمسلسل تسوية هذا الملف للوصول إلى تحقيق أهدافه المسطرة من طرف الأمم المتحدة استجابة لتطلعات سكان الأقاليم الجنوبية للمغرب”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الإشارة إلى مصطلح ‘تقرير المصير’ ضمن جواب الخارجية الإيرلندية يثير العديد من التساؤلات، لأنه مرجع سياسي لم يعد له وزنه القانوني والدبلوماسي ضمن مسار التسوية السياسي لهذا النزاع الإقليمي الذي اختارت له منهجية المنتظم الدولي مقاربة تستمد مرجعيتها من العدالة التاريخية للملف والحقوق الجغرافية للفضاء”.
وشدد الباحث نفسه على أن “المساهمة في حل هذا النزاع الإقليمي لم تعد تقبل بالمواقف الرمادية أو ذات الازدواجية السياسية في بناء الخط الدبلوماسي، لذلك فدبلن مطالبة بأكثر من هذا الموقف الدبلوماسي بخصوص ملف الصحراء، خاصة أن بوصلة المنتظم الدولي والأمم المتحدة أصبحت أكثر ثباتا في تدبيرها هذا النزاع المفتعل؛ وبالتالي فإن على المواقف السياسية للدول ألا تقتات من مصطلحات تم تجاوزها تاريخيا وسياسيا في تدبير هذا الملف، ويتم استعمالها من أجل الاستهلاك الإعلامي أو الإرضاء الدبلوماسي لأطراف معروفة”.
تحولات جيوسياسية
أورد محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “إيرلندا طالما أكدت دعمها الجهود الأممية وجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء من أجل حث الأطراف المتعنتة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإيجاد حل سياسي جدي ودائم لهذا النزاع المفتعل، وهو الموقف ذاته الذي طالما أكدت عليه دبلن في عديد المناسبات”.
وأشار عطيف، ضمن تصريح لهسبريس، إلى “الموقف الذي عبرت عنه الخارجية الإيرلندية عن طريق سفارتها في الرباط إبان زيارة زعيم البوليساريو إلى إيرلندا، واستقباله من طرف رئيس الأخيرة، ونفت من خلاله حينها الصفة الرسمية لهذه الزيارة، مؤكدة تشبثها بدعم العملية الأممية للتوصل إلى تسوية نهائية لهذا النزاع”.
وبين المتحدث ذاته أن “تأييد إيرلندا مقتضيات القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2703 الذي دعا إلى التعاون مع بعثة المينورسو يشير إلى مسؤولية البوليساريو في عرقلة أعمالها، وهو ما أكد عليه القرار نفسه”، موضحا أن “التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يمر منها ملف الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة باتت تفرض على جميع الدول وليس فقط إيرلندا الخروج بمواقف أكثر تقدما إذا ما أرادت الدخول في علاقات جدية مع المغرب على أساس الاحترام المتبادل”.
وخلص الباحث عينه إلى أن “القيادة المغربية كانت واضحة في هذا الإطار بجعلها الموقف من قضية الوحدة الترابية مقياسا لصدق الصداقات ونجاعة الشراكات، وبالتالي فإن التطورات المتلاحقة التي يشهدها هذا الملف ستجعل من غير المقبول من بعض الدول على الأمد القريب والمتوسط أن تستمر في التشبث بما يسمى الحياد المُغلف بمواقف غير مفهومة أو تلك التي تقبل أكثر من قراءة”.